محظوظ - مثلي - من قُدر له أن يرى أحراش المانجروف بأم عينه.. ومؤكد أن الدهشة تملكته من أول نظرة، وتساءل كيف تنمو الأشجار بالقرب من مياه الشواطئ المالحة؟ّ ولابد أن منظر الجذور الهوائية الصاعدة من تحت الأرض إلي فوق سطحها قد هاله؟
والعلم يبدد مثل هذه الدهشة بما يكتشفه العلماء وبما يجيء في تقاريرهم وأبحاثهم.. ولقد أوضحوا أن المانجروف لكي ينمو في مثل هذه الظروف فلابد أن تحتوى تلك الشواطئ على رمال ناعمة، وكميات عالية من الطمي والمادة العضوية، فضلاً عن ضرورة وجود مصدر للمياه العذبة تتدفق مياهه في فجوات تلكم التربة وفراغاتها؛ لذا فإن مثل هذه الغابات لا تتواجد إلا عند مصبات الأنهار وألسنة الأودية، وكذا مجارى السيول والشروم.
وتضم
غابات المانجروف بين جنباتها ما يقرب من 70 نوع من النباتات الزهرية، على رأسها
نبات الشورى (أفيسينيا مارينا)، ونبات القرم (ريزوفورا موكرونتانا)،
وكذا نوع من النخيل (نيبافرو تيكانس)، بجانب ثلاثة أنواع من النباتات
السرخسية وغيرها.
هذا،
وتشغل غابات المانجروف مساحات واسعة من شواطئ المناطق الاستوائية والمدارية تصل
إلي ما قيمته 38 مليون فدان حول العالم، أي ما يشغل نحو 70% من هذه الشواطئ، ومع
هذا فإن نصف هذه المساحة العظيمة تتركز في أربعة دول حول العالم هي بالترتيب
التنازلي: اندونيسيا (10.5
مليون فدان)، البرازيل (3.5 مليون فدان)، استراليا (3 مليون فدان)،
نيجيريا (2.5 مليون فدان)..
وبالنسبة للمنطقة العربية فإن غابات المانجروف تنتشر في الخليج العربي وساحل البحر
الأحمر، ومناطقها في مصر هي: محمية نبق، ومحمية رأس محمد، القصير، محمية وادى
الجمال، وحلايب وشلاتين.
إن
بعض أنواع المانجروف مزود بآلية عظيمة تمكنها من استخلاص الماء العذب من قلب الماء
المالح وكأنها تمتلك في الحقيقة محطات تحلية.. أما تربة غابات المانجروف فتتميز
باحتوائها على حبيبات متباينة الأحجام من الرسوبيات (زلط، رمل، طين أو طفل، صلصال،
وحل، غرين)، وكذا باحتوائها على نسبة عالية من المياه بين هذه الحبيبات مما يشجع
على أن يكون التنفس فيها لا هوائي إذ لا مجال لوجود الهواء في هذا الوضع.
لقد
اهتم العلماء كثيراً بدراسة غابات المانجروف وبيئتها الغنية المميزة واعتبروها
حلقة وصل بين اليابسة والبحر، إذ تحتوي على توليفة عجيبة من كائنات البر والبحر
على حد سواء.. ففيها طيور البر، وحشراته، وزواحفه، وبعض ثديياته.. وتستقر بهذه
الغابات التي تسكنها في ذات الوقت كثير من الأسماك، والقشريات، والرخويات، وشوكيات
الجلد، والديدان الحلقية، والاسفنج، والأوليات الحيوانية، وغيرها.
ومن
حيث أهمية غابات المانجروف والفوائد المتحصل عليها منها وهي عديدة ومنها على سبيل
المثال: أنها تحمى الشواطئ من التآكل وتعمل كمصدات طبيعية للأمواج، ومنها يجدر بنا
الإشارة إلي أنها لعبت دوراً ما في كوارث تسونامي (موجات المد القصوى) التي منُيت
بها دول جنوب شرق آسيا في أواخر عام 2004م.. وتعمل بيئة المانجروف كمأوى لكثير من
الأسماك والكائنات البحرية ومواقع مثالية لوضع البيض بعيداً عن ظروف البحر
القاسية، كما تمثل محطات رئيسية للطيور المهاجرة ومواطن استقرار للطيور البحرية
ولأن أخشاب المانجروف تتميز بقوتها وجودتها فلها استخدامات شتى (بناء السفن، تشييد
المساكن، إقامة الأسوار، التدفئة... إلخ).. كما يُستخدم المانجروف كعلف للإبل
والأغنام، ويُستخرج منه الكثير من المواد النشطة بيولوجيا كمضادات الفيروسات
والبكتريا وهو مصدر لعدد من الهرمونات المقوية جنسياً والعقاقير الأخرى (استخرجت
منه ضمن فريق بحثى مضادات بكتيرية).