قبل الولوج إلى صلب موضوع المقال، لا مفر من أن نعرج قليلاً على بعض المفاهيم المبدئية، مثل ما هو السرطان؟ والإجابة ببساطة على لسان العلماء: "ينجم السرطان بسبب طفرات تطرأ على تركيب الحمض النووي بداخل الخلايا، مما يؤدي إلى توقف الخلية عن أداء وظيفتها الطبيعية، وهذا ما قد يعرض الخلية لأن تصير سرطانية".
وتذكر التقارير العلمية أن للفيروسات آليات مختلفة تسبب بها المرض في الكائن الحي، والتي تعتمد إلى حد كبير على الأنواع الفيروسية ذاتها.. وتشمل الآليات على المستوى الخلوي - في المقام الأول - تحلل الخلية، وفتح الخلية وموتها فيما بعد.. ومن أمثلة الأمراض البشرية الشائعة التي تسببها الفيروسات نزلات البرد والأنفلونزا وجدري الماء والقروح الباردة.. إن العديد من الأمراض الخطيرة مثل الإيبولا والإيدز وأنفلونزا الطيور والسارس تسببها الفيروسات.. ويتم وصف القدرة النسبية للفيروسات على إحداث المرض من حيث (الفوعة).
وجدير بالذكر كذلك، أن بعض الأورام غير منتشرة بالنسيج
الحي وغير ضارة، تلك التي تُوصف بأنها (حميدة)، في حين تُعرف الأخرى بأنها (خبيثة)،
وهي تلك التي تغزو الجسم وتدمر أنسجة وأعضاء الجسم الطبيعية.. وعموما، فمصطلح يُستخدم
(الورم) لوصف الأورام الخبيثة.
السؤال الثاني، ألا وهو هل للفيروسات التي
تصيب الإنسان أية علاقة بحدوث السرطان، أو الأورام على وجه العموم؟ والإجابة
المقتضبة "نعم".. فهذا ما يرجحه العلماء.. فهناك عدد لا بأس به من الفيروسات
يتسبب في الإصابة بسرطانات مختلفة.
ومع ذلك، فالعلماء يؤكدون - أيضاً - على أنه لا تؤدي جميع حالات العدوى الفيروسية إلى تحلل الخلايا أو الموت.. وفي بعض الحالات، تحدث العدوى الكامنة حيث يظل الفيروس معديًا ولكنه خامل داخل المضيف ويظهر تلقائيًا في وقت لاحق.. وتتسبب بعض الفيروسات الحيوانية في تحول الخلايا المضيفة إلى الحالة السرطانية، حيث يصبح النمو غير منضبط.. وتشير بعض الدراسات إلى أن الفيروسات هي الأسباب الرئيسية لما يقرب من 15% من جميع أنواع السرطان في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، تزعم أدلة أخرى أن تطور السرطان نتيجة للعدوى الفيروسية نادر ما يحدث.
هذا، ويتم تحديد تطور السرطان من خلال مجموعة
متنوعة من العوامل مثل مناعة العائل المضيف والطفرات فيه.. ووفقا للتقارير
الوبائية، يعتمد تسرطن الفيروسات على حجم الفيروس، واستمرار الإصابة، ومدة
الإصابة.. وتشمل بعض السمات الفيروسية المسببة للسرطان الشائعة لتطور السرطان،
منها؛ 1) التحول المباشر من خلال التعبير عن الجينات الفيروسية، 2) تشفير
البروتينات الورمية، 3) تعطيل منظمات استقرار الجينوم، 4) التدخل في بقاء الخلية
ودورة الخلية، 5) تعطيل بروتينات p53 والورم الأرومي الشبكي، 6) تنشيط الاستجابة لأضرار الحمض النووي، 7) التغييرات في المستويات
الخلوية لأنواع الأكسجين التفاعلية، وتحريض الإجهاد التأكسدي.
وعلمياً،
فالفيروسات المسببة للسرطان تنتمي إلى مجموعة تُعرف باسم (الفيروسات الورمية).. ومن
ثم فالجينات التي تسببها هي (الجينات الورمية).. ومن الفيروسات المسببة للسرطان
البشري؛ فيروس الورم الحليمي البشري (تُعد سبب لسرطان عنق الرحم والجلد والشرج
والقضيب)، وفيروس التهاب الكبد B، وفيروس التهاب الكبد C (يمكن
أن تتطور فيروسات التهاب الكبد إلى عدوى فيروسية مزمنة تؤدي إلى سرطان الكبد)،
وفيروس إبشتاين - بار (وفيروس
الهربس الذي ينتشر عن طريق اللعاب،
ويسبب سرطان
الغدد الليمفاوية اللاهودجكين)،
وفيروس الهربس المرتبط بساركوما كابوزي (يصيب الذين يعانون من ضعف في جهاز
المناعة، والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية)، والفيروس اللمفاوي التائي البشري (يسبب سرطان الدم وسرطان الغدد
الليمفاوية للخلايا التائية البالغة). وينتشر عن طريق السائل المنوي المصاب
والسوائل المهبلية والدم وحليب الثدي)، وفيروس نقص المناعة البشرية (ينتشر عن طريق
السائل المنوي المصاب والسوائل المهبلية والدم وحليب الثدي. وفي حين أنه لا يسبب
السرطان بشكل مباشر، يعتقد الباحثون أنه يزيد من خطر الإصابة بالسرطان عن طريق
إتلاف جهاز المناعة)..
وللعلم فإن أحدث فيروس سرطاني بشري تم اكتشافه مؤخراً هو "فيروس متعدد
الأورام" يسبب معظم حالات سرطان الجلد يعرف بـ (سرطان خلايا ميركل).
على الجانب الآخر، فقد تساعد التطعيمات على الوقاية من مثل هذه الاصابات الفيروسية،
ومع ذلك فهناك علاجات أخرى مقترحة، وبروتوكولات علاجية تُطبق حال حدوث المرض.. ثم
أن هناك العديد من الفيروسات
فعالة في علاج السرطان! نعم.. فقد اجتذب العلاج الفيروسي - في الآونة الأخيرة -
المزيد من الاهتمام كعامل فعال في علاج أنواع عديدة من السرطانات.. فعلى سبيل
المثال لا الحصر؛ يمكن للفيروسات اليتيمة المعوية للخلايا المعوية، والفيروسات
الغدية، وفيروسات الهربس البسيط أن تتكاثر
في الخلايا السرطانية، مما يتسبب في موت الخلايا السرطانية.. فضلاً عن ذلك، فإن
بعض أنواع الفيروسات لها تأثيرات مضادة للسرطان من خلال تعزيز الجهاز المناعي
للمضيف.
وتحديداً، فالعلاج الفيروسي للأورام يختص بتحويل
الفيروسات إلى عوامل علاجية باستخدام ادوات التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية
لإعادة برمجتها بهدف العلاج المزعوم.. اما تطبيقياً، فهذا النوع من العلاج يُقسم إلى 3
مجموعات رئيسية، ألا وهي: 1) الفيروسات المضادة للسرطان، 2) النواقل الفيروسية
للعلاج الجيني، 3) العلاج المناعي الفيروسي.. وأهم هذه الطرق العلاجية يقوم على استخدام
الفيروس لنقل الجين المحفز لموت الخلايا السرطانية فيما يُعرف بـ (توصيل الجينات
الانتحارية).