ممكن تبقى هاوي.. لو كنت غاوي..
-
بابا..
بابا؟
-
نعم يا
حبيبية بابا؟
-
ممكن أستعير
كشكول أشعار حضرتك؟
- طبعاً يا قلب بابا..
وراحت (نور) بنتي ومعاها الكشكول القديم وقعدت في
ركنة جنب البلاكونة.. وهوا العصاري المنعش كان بيخلي ستارة باب البلاكونة يهفهف..
وبصيت عليها فقلبي رقص من السعادة لما لقيتها بتحب الشعر والأدب.. وقلت في نفسي:
- بنتي كبرت ما شاء الله عليها من غير ما أحس.. وفجأة بقت
في الثانوية العامة.. ولاحظت إنها كانت من مدة كانت قالتيلي إنها بتحب تسجل
خواطرها.. وشجعتها يومها.. بس تخيلت إن ده مجرد كلام عارض وهيروح لحاله.. لكن واضح
أنها واخدة الموضوع بجد.. مرت ساعة وأنا انشغلت في حاجة جوه البيت.. بعدها جاتلي
بوشها المبتسم الجميل المليان براءة.. وقالتلي بدلال البنوة المفضل لدى الآباء:
-
بابا؟ أنا
قررت أكتشف حضرتك النهارده!
-
تكتشفيني؟!
-
أيوه.. يا
حضرة الشاعر المبجل..
-
أنا؟!
-
أيوه..
سيادتك يا سي بابا.. أيه الكلام الجامد إللي إنت كاتبة ده.. إزاي مبعتهوش لملحن
كبير أو مغني معروف.. او نشرت قصايد الفصحى في ديوان؟!
-
إنتي بتبالغي
يا نور.. علشان بس أنا بابا..
-
لأ.. بجد.. أنا
قريت الكشكول كله.. وعجبني أكتر من 70% منه..
-
مش معقولة؟
-
والله زي ما
بقول لحضرتك كده..
-
إنتي حقيقي
بتدهشيني.. لو كنتي قلت 100% كنت هعتبرها مبالغة.. لكن 70% منهم عجبوكي دي حاجة
تسعدني.. عموماً أنا مجرد هاوي في كتابة الشعر والقصة القصيرة..
-
وكمان قصة
قصيرة..
-
أيوه.. طبعاً..
-
طيب.. عاوزة
كشكول القصص هو كمان..
-
عندك في
المكتبة.. أجندة بجلدة زرقا..
-
أكيد هقراها..
بس خلينا في الشعر.. خود عندك نبذة من إللي عجبني..
-
وفضلت تسمعني
أبيات وفقرات من إللي عجبها.. وإطمنت على ذوق بنتي الجميلة.. إنما حكايتي باختصار إن
هوايتي القديمة في الكتابة ظهرت وعمري 10 سنين.. وعلى فكرة مش لازم الهوايات
القديمة تموت حتى لو كنت مش هتحترفها أو مش هتكون مهنتك.. وأكم من زمايل لنا كان
منهم إللي بيحب يلعب كورة مثلاً.. بالمناسبة كان ليا صديق ما شاء الله عليه كان
جناح يمين صاروخ زي أبو مكه الحبيب.. ربنا يحفظ الإتنين.. ومن يوم ما بطل لعب
واشتغل واتجوز ووزنه زاد قوي.. وبعد ما كان شخص لطيف وظريف، بقى على طول مضايق والبسمة
خاصمت وشه.. ونصحته إن يرجع يمارس الرياضة ويرجع يلعب كورة تاني.. ومش لازم يكون
فورمة أبو صلاح يعني.. يومها اقتنع بكلامي لحد ما.. وفعلا بدأ يتحمس واشترك في
الدورة الرمضانية للكرة الخماسية لكبار السن.. وبدأ "عمرو" يتحسن
نفسياً وجسدياً.. ورجع يضحك زي زمان..
-
"أنا
بقى كنت رسام نمبر وان بين أصحابي، وفي مدرستي في مراحل تعليمي الأساسي التلاتة..
بس كانت هواية وماتت مع الشغل بعد الجامعة، وكترة المناسبات الاجتماعية والسفر.. يعني
هارسم ولا هشتغل؟".. ده كان كلام صديقي "حسام".. في مرة من
مرات لقاءتنا الأسبوعية.. وطبعا كنت عايش لهم في دور فيلسوف الشلة، فقلتلوه: مفروض
نعمل الإتنين سوا.. يعني مش لازم نموت الهواية بتاعتنا لإنها كانت بتفرج عننا كتير
وكلنا فاهمين كده كويس.. بس للأسف بنضعف قدام توغل الحياة المادية والظروف
الاقتصادية والطموحات التقليدية والجري ورا لقمة العيش..
-
ومبنساش جارنا
"علاء".. ده بقى كان بيحب الدهانات والألوان قوي.. لدرجة إنه كان
بيدهن شقق ومحلات جيرانا ببلاش من كتر عشقه في التلوين.. وفعلاً دهن شقق إخواته الأربعة
وشقته اللي اتجوز فيها.. ومحل عم حسين.. وسور مدرستنا الثانوية.. وكان عنده حس
عالي جدا بخلط الألوان مع بعض وعمل درجات ألوان مبتكرة.. ومفيش حد مشفش شغله إلا وأثنى
عليه من جماله.. كان بيقولنا "أنا بحس براحة عجيبة وأنا ماسك الفرشة.. وكمان
وأنا بخلط الألوان مع بعض علشان أجيب درجة جديدة أو حتى مميزة.. فعلاً متعة.. والأمتع
من كده يوم ما الحيطة أو الخشب ينشفوا والنتيجة النهائية تظهر.. ببقى في غاية
السعادة".. وكانت بتعجبني نبرة صوت علاء ولمعة عينه وهو بيتكلم بحماس عن شغفه
وهوايته في عالم الألوان..
-
ولاَّ الحاج
"يونس".. كان له بيت بس بجنينه صغيرة جدا على أول الشارع.. وده كان
نظام غريب على بيوت شارعنا.. بس الراجل ده كان في حاله قوي.. ولما نعدي من قدام
بيته في العصاري نلاقيه بيروي الزرع الجميل وبينسقه وبينضف الجنينة وبيلم منها ورق
الشجر وبيرش ميه على الأرض وقدام البيت علشان يهبط التراب.. ولا ريحة الجنينة بعد
رش المية.. الله عليها.. كنا بنحب نقف نتكلم قدام بيته أنا وأصحابي علشان نستمتع
بالمنظر والريحة.. وهو كان راجل طيب وجميل.. كان لازم يسلم علينا ويضحك معانا
ويدعيلنا بالتوفيق.. ومرة بعد ما خلص اللي بيعمله طلع كرسي الجريد بتاعه وقعد عليه
قدام باب البيت وسلم علينا وعط لنا ورد بلدي من الجنينة وقعد يكلمنا عن أنواع
الورد، وعن الفل، والياسمين، والريحان، ونبات زينة له زهره حمرا اسمه "جرانيا"،
ونبات العطر أبو ريحة جميلة مميزة.. وكانت عنده فلسفة إن الزراعة دي عمل صالح
ومبهج.. وإنه لما بيسقي النباتات دي كأنه سقى طفل عطشان.. وبالمناسبة كان حاطط زير
ميه بيملاه كل يوم العصر بعد ما بيخلص شغل الجنينه اللي اتكلمنا عنه.. وكانت أسقع
وألذ ميه ممكن تشربها من الزير ده.. أكرمه المولى عز وجل وسقاه من أنهار الجنة.. الله
يرحمه كان راجل كريم ورحيم..
-
أما المعلم "عتريس"
صاحب ورشة الحدادة وأعمال الكريتال.. يعني بتاع البوابات والأبواب الحديد.. ده كان
بيحب الطبخ قوي وأسبوعيا كان لازم يعمل غداوة من عمايل إيديه للصنيعية إللي
بيشتغلوا معاه وكمان لجيرانه الأسطوات زي الأسطى أيمن سمكري السيارات، والأسطى
عاطف بوهيجي السيارات.. وكان بيعملهم أحلى أكل.. وبشهادة الجميع.. ومرة مسكوا فيا أنا
وأخويا ناكول معاهم لما كنا بنعمل عندهم بوابة جديدة للبيت.. ومبنساش طعم الملوخية
بالزبدة البلدي ولا حتة اللحمة الملبسة اللي كلتها حتى طعم المخلل والسلطة كانوا غير.. والعيش
المفقع الطازة ولا أطعم من كده.. ويومها قالنا "كان نفسي أكون شيف كبير
ومشهور، بس هي الدنيا كده مبتديناش كل إللي عاوزينه! كل الأطباق الشرقية بعرف أعملها..
وكمان بعمل كباب الحلة واللحمة الباردة.. الروزبيف يعني.. والأكل المصري التقليدي
زي المسقعة والبصارة والملوخية والبامية باللية.. وبعمل طبق فول بعشرين وصفة غير
بعض وكل واحد منهم أحسن من التاني.. والحلويات الشرقية اللذيذة زي أم علي والبقلاوة
والكنافة والقطايف والمحوجة والخشاف والمهلبية والجلي وغيرها وغيرها.. وليا كمان
في كافة أنواع العصاير.. وعليا شوية تمر هندي وخروب وعرقسوس.. يا سلام.. بس الأهم
لازم كل ده يتعمل بحب وهو ده اللي بقولوا عليه النفس في الطبيخ".. وكان
المعلم عتريس لما بيتكلم في موضوع الأكل ده كان لعاب المستمعين بيسيل من طريقة
كلامه إللي بتفتح الشهية.. فعلاً كان راجل عترة زي ما بيقولوا في الحارة المصرية..
-
زي ما قولنا
كده.. مفيش حد ربنا خلقه معندوش هواية.. أو شغف بحاجة معينة.. والهواية بالتأكيد
فن من الفنون مهما كانت أو رياضة من الرياضات أو صنعة من الصناعات.. والحق إن أي
مهنة أو هواية لما صاحبها بيعملها كويس وبيبدع فيها بنقول عليه "فنان"..
يعني إنسان جواه حس فني عالي.. وعلى الأقل بيفضل هاوي لو كان فعلاً لساه غاوي.
والسلام على جناح المحبة أحلى ختام،،،،
(تمت)