سماح

 "أي جمال في الطبيعة يستطيع أن ينافس جمال المرأة التي تحب؟" (لامارتين)

*****

ظنها عادت لتقدم له اعتذاراً عن حديثها الجارح بالأمس.. فرح بقدومها، لكنه تماسك.. ابتكر كبرياءً عله ينتفع به الآن.. تقدمت نحوه واثقة متحدية، أو هكذا إعتقد.. دق قلبه فازعاً من أن تكون فراسته قد أخطأت.

وفجأة..

تبعثرت ملامح الكبرياء على وجهه، فحالت قسماته إلى الأرتباك.. فيما كل هذا؟ ليس يدرى غير أن شيئاً مجهولاً يقرع أجراس الحذر بداخله!

استسلم برهة لوساوسه، فاستسلم إلى قدره المزعوم.. صارت المسافة بينه وبين قدميها المتباطئتين سنتيمترات قليلة.. أطرق هنيهة يفكر.. كاد ينطق.. عاد ففضل السكوت بعد أن طمئن نفسه بأن لاشيىء يضاهى العزة والكرامة.. فهما الثروة الحقيقية للمرء في هذه الدنيا.. لكن صوتاً بداخله جعل يردد في عنفوان:

-         إنه الكبرياء..

-         ولما لا؟!

-         لكنه يا عزيزي الكبرياء العابث..

-         أحقاً!

-         بكل تأكيد هو كذلك..

-         لا ضير، فالوصف لا يهمني..

-         وماذا يهمك إذن..

-         يهمنى الاحتفاظ  بكرامتي مادمت حياً..

-         أعتقد أنه لا فرق بين الأحباء..

-         لا أنكر.. لكن لا يمكن أن يكون هذا تأشيرة صريحة للتجريح والإمتهان!

-         الامتهان.. معاذ الله.. لكن..

-         ما من لكن.. أتركني وشأني أيها الضمير المجادل أبدا ً..     

توقفت أقدامها إلى الأرض كأنها أوتاد دُقت.. نظرت إلى الأرض قليلا ً قبل أن يشرأب عنقها المنكس في حرج.. نعم.. "أعتقد أن لديها الآن شعور بالحماقة".. لم يكن الخطأ بسيطاً.. لقد إقترب كثيرا ً من السباب، ومن ذا يقبل أن تسبه حبيبته التى فضلها على الجميع، بل أكثر من هذا.. لقد فضلها على نفسه حتى ذلك الحين!

وأخيراً..

استقام بصرها على مرمى بصره، واستقرت عيناها في حدقتيه.. رماها بنظرة ثاقبة، حملت في طياتها كل معانى القسوة والجفاء.. كست الدموع جفنيها.. انحدرت في تهادٍ على خدين  اشعلتهما الحمرة فإزدادا تورداً وجمالاً.. كان لهذه الدموع وقع عظيم في نفسه حيث لامست مواطن الصفح داخله.

هنالك فقط..

ليس قبل ذلك تبدلت نظراته القاسية إلى سيل من أخريات حانيات.. أردف يقول متأثراً من طريقة اعتذارها:

-         لك أنا.. كل حبي..

-         ولكني..

-         لا تقولي أكثر مما قلتِ..

-         آسفة.. آسفة..

-         رُحماكِ.. لا تنطقين ببنت شفة قد تؤثر على صدق هذه اللحظه التي ماعشتها من قبل!

عندئذٍ..

ابتسمت فى عذوبة ورقة.. ضاحكها حتى تلألأت أسنانها البيضاء.. نسيت أمر الدموع التي افترشت خديها مما زادهما لمعاناً ووهيج.. لم ينبهها إلى أمرهن فالمشهد كان أكثر براءة بهذه الإضافه السليقية..

عارضا الماضي بظهريهما، وانتقلا بالحديث إلى حيث التصافي..

من مجموعة (سيريالية.. بعضها من بعض) القصصية

(المنصورة في يناير 1994م) 




تعليقات