عبء

 تحت ضغط الأهل قرر الأرتباط بها.. إنها ليست سيئة كما لو كنت تفكر بذلك.. على الرغم من هذا فما هي بالباهرة أو الفاتنة.. إنسانة غاية في البساطة.. حتى كانت كعنوان كتبُ بخط عريض فوق ناصيتها!

تجدها في كل شيىء تلقائية.. عفوية.. مبتسمة طوال الوقت.. تزينها البراءة في كل موضع.. غاية ما تحلم به أن يكون لديها عش هاديء.. ربيعي المناخ.. زاهى الألوان.. ساكن المعشر والرفيق.. لم تكن لها أحلام قاصيات يستصعب عليها المنال، ولكن لأن الأقدار - بحكمةٍ من لدنهٌ - تتصرف فينا ولا نملك نحن التصرف فيها فإن شيء ما حدث.. ربما استيقظت الحقيقة من غفوتها أو أن مسلسل الظلم - كما رٌؤي للأهل - استمرأ الإبن إخراجه.. المهم أن هذا الشيء حدث في لحظة حاسمة، بعد ساعات من التفكيرالطويل، المدلل عليه بألف دليل.. وفشل الارتباط.. ما كان بديهياً أن تنجح تجربة بها الكثير من التناقضات، وملئها التجاوزات بحجة العفوية.. لقد ألقى بقوله في وجوه الجميع:

-   لقد كرهت التلقائية والبساطة.. وكنت دائماً المشجع لهما.. والمشيد بهما كسماتين للمصداقية في الحياة.. تباً لهما من عالقة أخطاء!

إن شيىء أخراً ظل عالقاً بذهه المؤرق.. ألا وهو "العُرف".. فما كان متعارف عليه دائماً بين عوالم الرجال أن المرأة هامة تَطاح ترفعاً بما لها من امكانات وأنوثة.. تتمنع وهي ألة الرغبة.. تحب، ولكن يخالط حبها كرهُ خامد يهب ثائراً إذا ما دعت الحاجة حسب اعتقادها إلى ذلك.. إنه كره الخضوع للرجل بسهولة.. كذلك هو كره الإباء المميت فيها بعدما تعدو وراء غايتها المنشودة في رجل ما لتعترف له بأنها تسهر من أجل عيونه ليالٍ طوال، وبأنها لا تنعم بالحياة ولن تنعم بها إلا في جواره!

حاوره صديقه المقرب إليه فسأله مستفسراً:

-   لماذا بعدت فجأة وكنت قد أقدمت على هذه الخطوة؟

أجاب بمقلتين حَجَرّهما الأسف:

-  لقد شعرت بأن ميزان الحكم في قضية الحب هذه أختل توازنه ففضلت أن أخرج منها لأستطيع الحكم عليها بوافر من اليقظة والعدالة..

تساءل الصديق متأثراً:

-    ولكن ما ذنب المسكينة؟

أجاب متراخياً يلوك الكلمات في فم ٍ من ندم:

-   ذنبها الوحيد والجسيم أنها اضطرتني إلى الحب.. وأنت كما تعرف الحب تلقائية لا تعرف الظروف..

استطرد الصديق مندهشاً:

-   اضطرتك.. كيف؟!

شرح متهدجاً:

-    لحظات اليأس والإنفعال تصيب قرارك بهزات عنيفة، وعندما تكون مهتزاً فأنت لا تملك التدقيق..

قال الصديق مجادلاً:

-  فهمت، ولكن ألا ترى أن الصدق أقصر الطرق إلى الحقيقة؟          

  علق الشاب مهتاجاً:

-  بلى.. ولكن عندما تغزوك تعزيزات الأخرين لموضوع ٍ ما وتغفل لحظة اتخاذ القرار فتتخيل نجاح المحاولة ثم يأتي الفشل فأنت لا تملك سوى الإعتراف بذلك!

قدم إعتذاراً مشمولاً بتقبيحه على مستوً يسمح لها من وجهة نظره أن تنعم بشيىء من الراحة..  ما ظن نفسه مخطئاً إلا حينما وافق أهله على هواهم.. فيما عدا ذلك رأى أن الباقين عليهم الاعتراف بخطئهم مثله.. بقى يفكر ليس من أجل قضية الحب فحسب ولكن لأن التفكير له بمثابة تسعة أعشار الحياة.

عندما قيل له:

-  خذ من تحبك.. ولا تأخذ من تحبها..

سأل مندهشاً:

-  ما بال المرأة إن قيل لها ذلك أيضاً؟!

ثم استطرد مفترضاً:

-   ماذا لو أخذت من تحبني ولم يحدث أن أحببتها.. ثم لماذا أرتبط بواحدةٍ أحبها من طرفٍ واحد يخلو من ألفة ومودة.. لماذا لا أسعى لمن أحبها أو أحس راحتى فى السكون إليها وهي تبادلني نفس الشيء؟!

برر القائل له:

-   إن المرأة عندما تحب تخلص، بل وتتفانى في الإخلاص..

غمغم متهكماً:

-   كأن الرجل هو الخائن الأعظم في كل الأحوال!

ثم أردف معلقاً:

-    لا أرى ذلك أكثر من ليّ أذرع..

لم تكن في حاجة لأن يخبرها بأن كل شيء (قسمة ونصيب).. لم يكن فى حاجة لأن يشعر براحة الضمير.. وإن كان العبء الحقيقي - من وجهة نظره -  يبيت على متن القرار..

أخيراً همس في نفسه، وقد دلف إلى صومعة التفكير:

-  مالك قراره هو المالك الحقيقي للأشياء..

من مجموعة (سريالية.. بعضها من بعض) القصصية

(المنصورة في مايو 1997م)



تعليقات