مندوب

"كل منا مندوب.. لأحدٍ ما.. لشيىءٍ ما .. لأمرٍ ما..

 فمن ذا الذى يلبي - إذا ما دُعى - النداء؟"

**********

باع كلماته إلى عميل آخر، ثم انطلق يطوى الأرض سعياً إلى رزق أوسع.. واحد فقط من بيده توسيع الأرزاق.. استقرت قدماه أمام المستشفى الاستثماري التي فاقت خدماتها النجوم السبعة.. دفع الباب بحذر لا يخلو من ارتياب في نجاح المسعى.. أمام صالة الاستقبال وقف يسأل.. أتاه الرد محمولاً على نغمات رخيمة:

-         المدير المسؤل عن ذلك بالطابق الثالث علوي يافندم..

قدم شكراً مع إبتسامة شبه مصنوعة، كان قد تعود على إظهارها في ظروف مماثلة، لكنه كان  في قرارة نفسه ما يزال على حالة الارتياب.

برفق جذب باب المصعد، ارتفع به إلى الطابق المطلوب.. خطى في طرقة طويلة تصبغ مراميها الفخامة.. كان يسير وبداخله تمن ٍ محموم بأن تجود عليه السماء يوماً ما بشيىء من تلكم الفخامة.. وجد نفسه مضطراً لأن يطرق باب غرفة السكرتيرة.. لم تكن المفاجأة خالية من توقع، فالشائع أن المديرين دائماً يختارون فتياتهم على قدر ٍ عالٍ من الخفة والجمال، وربما الدلال أيضاً!

للحظات إنقلت منه خياله، واقشعر بدنه، وغابت اشراقة الكلمات عن شفتيه.. تنحنح مصطنعاً ثم بدأ يعرض الأمر.. بلياقة بالغة أعادت لعرضه رداً دبلوماسياً.. حاول معها.. مطت شفتيها منهيةً العرض.. ابتسم زفراً في خفاء ثم أردف تائهاً بين عينها وقال:

-         شكراً يا آنسة..

صحيح أنه تعّود على فشل المسعى خاصة ًمع عمل كعمله.. وهكذا الحال.. مره تصيب وعشرة تخيب.. وهم يقولون أن لهذه المهنة أداتين أساسيتين، أولهما الصبر، وثانيهما تلويك الكلام في فاهٍ دبلوماسي عريض.. عرف عن رئيسه – أو مشرفه كما يدعون – أن الدبلوماسية في المفهوم العصري لها معنى واحد فقط "ابتسم وأنت تعد، وليس ضرورياً أن تفى بالوعد"..

قرر أنه لن يترك هذا المكان دونما يظفر بمبتغ آخر منه.. خرج من باب المستشفى وقد شطح خياله في سحر السكرتيرة وقوة شخصيتها.. تخيل أنه قال لها بدون مقدمات:

-         آنسه (مُنى).. هل تقبليني خطيباً لك؟

رمقته الفتاة بنظرة تحد ٍ،  ثم قالت وهي تعض على شفتيها بلطف:

-         وهل أعرفك؟

-         أنا.. أنا..

-         أنت من؟

-         أنا مندوب شركة (إم إكس) .. زرتكم يوم أمس.. بخصوص عرض الليجنوكابين..

ناولته العرض بجدية وهي تردد:

-         تقصد هذا.. لم يتم لصالحكم يا فندم..

ثم غاصت عيناها في أوراق أمامها بعد أن أخفتهما بنظارة قراءة عدستاها فاميه.. تنحنح الشاب خجلاً مصدوماً ثم قال وقد تهيىء للرحيل:

-      شكراً على كل حال..

رفعت رأسها، وصاحت وهي تزيح النظارة عن عينيها بينما كان ظهره يواجها:

-      قبل أن تدعو فتاة للخطبة أو تطلب منها الزواج يجب أن تفحص أصابعها جيداً.. فلعلها تكون مرتبطة..

عاد يواجها بعينين مندهشتين كيف لم يفعل.. رفعت يدها اليسرى وقالت في كبرياء وسطوة:

-         أظنك لم تلحظ  أني متزوجة..

ابتسم الشاب والدهشة تخلع جذور عقله،  ثم تمتم يائساً:

-      لعل هذا سبب فشلي في عملي كمندوب!

من مجموعة (سريالية.. بعضها من بعض) القصصية

(المنصورة في 1997م) 

 

تعليقات