تكتيك

 بلا أب.. بلا أم .. بلا أخ أو صديق.. كان..

كل ما لديه هو نفسه التي يخلوبها كل ليلة يتقاسمان الوحدة والعزلة والصمت المطبق.. كل ليلة يبيتان في ذات الغرفة الضيقة الملحقة بأحد جنبات الحوش الكبير أو ما يدعونه ربعاً.. وقد اصطفت على نواحي هذا الحوش دون الجهة الأمامية غرف الآلات والمعدات المستخدمة في أعمال الوكالة.

اعتاد (صابر) ارتداء الملابس البالية والمرقعة منذ أن كان صغيراً.. لم يشتر له أحد لباس جديدة ذات حين.. ولم يفرض هو يتمه على الأخرين.. كان الوقت يجييء عليه ويتوق لأن يصرخ بكل ما أوتي من قوة وقت مشاكله.. أزماته.. فيمن حوله.. يود لو أفرغ كل ما شحنته به الأيام والليالي.. وما استجمع في أعماقه من تصرفات الرائح والغادي.

لكنه مع تلك الوحدة القاسية كان صبوراً جلداً.. يستعين بدينا الأحلام الوردية على دنيا الواقع الموشحة حسب الحال كالحرباء.. كل ما فقده فى هذه الدنية عثر عليه في دنيته الخاصة التي كانت لها مبادؤها ومقوماتها: إثنان لا أكثر.. ألوان زاهية.. شمس ضاحية.. قمر منير.. إيمان مؤنس.. لا دموع.. لا أرق.. لا شكوى..  بسمات.. أفراح.. نعيم.

على العكس المطلق.. لم تكن تلك أحلام يقظة يخدر بها نفسه أو يقتل بها وقته.. أو يمزح بها مع نفسه المتعبة من عناء العمل اليومي.. بل كانت (تكتيكاً) وضعه لغده المنتظر.. ومن أجله صاغ المباديء، ووضع القوانين.

جائته ذات يوم هدية على يد من تفضل، سروال  وقميص..  قبلها شاكراً.. إلا أن شيئاً مثيراً للإنتباه أحدثه هذا الوحيد.. لقد اتى بالسروال والقميص فجعل يرقعهما، وفي صباح اليوم التاليى ارتدهما على هذا النحو، فسأله أحد زملائه في الكفاح، والاستغراب يعلو قسماته:

-      لماذا فعلت بها هذا.. ألم تكن جديدة كخاصتي؟!

رد (صابر) مطرقاً:

-      بلى..

-      لماذا إذاً رقعتها يا رجل؟ً

أجاب (صابر) شارداً، والمستقبل يتراقص في عينيه المصلوبتين:

-   لا زال أمامي وقت على ارتداء الجميل..                                    

 من مجموعة (سريالية.. بعضها من بعض) القصصية

(المنصورة في مايو 1996م)

تعليقات