بين التيك توك والتوكتوك

 تتشابه الأحرف.. وتتماثل النتائج إلى حد ما.. ذلك بأن المجتمع صار يركب "ترند" التيك توك ليصل إلى قاع المدينة، وكأنه أمتطى ظهر التوكتوك كي يكون سريعاً فلا يتأخر عن النتيجة المحتومة!

والغالب الأعم في كلا العالمين كائنات جاءت من حيث لا قيمة ولا تربية ولا جدوى.. فقط عراك متواصل مع أنفسهم وغيرهم والحياة.. والعامل المشترك بينهما هو الرغبة الملحة التي تصل إلى حد الإيمان بحتمية الهدف.. وحتمية النتيجة.. فلا تراجع ولا استسلام.. ولا ارتداع.. ولا حياء.. وما لهم وما للقانون من سطوة؟ إنهم قانعون بأنها غائبة لحين إشعار آخر.. صحيح أن بعض مشاهير العالم الأول يلقون عقاباً إذا ما زاد خروجهم الفج جداً عن العُرف العام.. لكن يظل خروجهم الفج والأقل فجاجة يقتحم عوالم الطيبين ليل نهار.. ويظل الطيبون في حيرة من أمرهم.. ويتساءلون وأكبادهم تتألم: هل يعتزلون هواتفهم إلى يوم الدين؟ أم لهذه المعضلة حل ناجع؛ كأن يستوجب أولئك المخاطبون العامة أن يتحصلوا على ترخيص يجعلهم في دائرة المسئولية، وكل من لا يتبع التعليمات يُعاقب بغلق نافذته ومصادرة محتواه؟ ثم ليقول القانون كلمته الأخيرة فيهم.

إن ما يعرضه المنفلتون - وهم كُثر على هذا التطبيق - شائن وغير أخلاقي، ويهدم ما يبنيه المصلحون في أعوام جراء قضاء لحظة أمام شاشة مستطيلة تشع منها إضاءة تضل ولا تهدي للسائرين سبيل!

لقد جاء التطبيق المذكور وما على شاكلته وجاءت معه أشكال ضالة لا تشعر بأي ذنب ولا حرج ولا خوف ولا حياء.. وكأنهم كما يُقال في لغة العوام "بايعين القضية".. فهل سيظل المجتمع يتفرج بأعصاب باردة على محتوى يفسد أجيال متفاوتة في أعمارها بدم بارد؟

وهل هذه أدوات الدجال في معركته مع بني آدم في آخر الزمان؟ وهل نحن في المحطة المؤهلة للنهاية؟ وما الرادع الناجع - فوق ما يُبذل - من قبل أجهزة الحكومة المتخصصة إزاء أولئك الخارجين المتبجحين؟

المسالة برمتها لا يمكن وصفها بغير الكلمة اللائقة وهي الحرب.. نعم.. هي حرب اندلعت واشتعلت نيرانها في كل الأرجاء ولابد فيها من منتصر.. ومثلما وعد الله المؤمنين الصابرين بالنصر المبين، فقد وعد الفجرة بعقاب شديد في الآخرة، لكن لا يجب أن يفلتوا بما قدموه من إيذاء للمجتمع الذي فيه يعيشون.. وتلك هي سلطة القانون المؤدب لكل خارج عليه.. لكي تستقيم الأمور المنظمة ليوميات البشر.. وإلا فنحن والفوضى سواء.. وهذا ما لا يرضى به عاقل رشيد!

على الجانب الأخر، فالتوكتوك يمثل قنبلة اجتماعية موقوتة.. وميقات انفجارها ليس عنا ببعيد.. ذلك بأن جل السائقين من الفئة العمرية إما متسربين من التعليم وهم من الذين لم يبلغوا الحلم.. أو من المراهقين الذين تخاطب غرائزهم الرغبة الملحة في الاعلان عن ذواتهم، ولو بالطريقة الخطأ، وحب الظهور ولو فيه هلاكهم، ومطاردة الفتيات دون أن يعبئوا بنتيجة أفعالهم!

 ثم لقد أصبح هناك نقص ملحوظ في الأيدي العاملة المتخصصة، لأن التوكتوك صار مجالاً جاذب لها، حيث السائق مدير نفسه والمهمة المكلف بإتمامها محببة إليه، إذ ترافقه ملذاته البائسة كصوت الكاسيت المرتفع وعلبة سجائر أو ما عداها.. ثم أن الأمر لا يتطلب منه مشقة إذا ما قًورن بالعمل في "الفاعل".. أو في مهنة مؤهلاتها "العتالة".

إن جملة العاملين بهذا المجال لهي مسئولية مروعة ألقتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية على عاتق المجتمع المسكين.. فهم فئة تحتاج إلى احتواء، وأن توظف الدولة امكانياتهم في خدمة الوطن لا أن يتركوا تائهين وخطرين في ذات الآن.

وما بين التيك توك والتوكتوك تنبسط أرض المعركة.. وطرفاها هما التمرد والانضباط الاجتماعي والسلوكي.. فلمن ستكون الغلبة؟ ولو أن المحظور إذا وقع فلا محالة أن الكل خاسر في معركة كتلك!


تعليقات