قرأ في صفحة الأدب بإحدى الجرائد فلم يفهم.. مد يده إلى رف مكتبته وتناول كتاباً فلم يفهم ما جاء بإحدى صفحاته.. طالع شعراً بإحدى المجلات الشهيرة فلم يستطع اللحاق بالمعنى.. هرول إلى المكتبة ونزع منها معجماً ضخماً، فقرأ فيه فلم يجد مبتغاه.. زفراً آسفاً، ثم قام يشاهد مسلسلاً عربياً على إحدى قنوات (الدش)!
سمع في إحدى الندوات شعراً ولم يفهم.. أدار المذياع فسمع برنامجاً كان ضيفه ناقداً ولم يعِ لكلماته قصداً.. حول البرنامج إلى قناة الأغاني فسمع أحد المطربين يشدو:- أوم أوقف وإنت
بتكلمني.. أوم أوقف بوصلي وفهمني..
قلب كفاً على كف ثم
غرق في دوامة من الضحك الساخر.. رأى فيلماً لمخرج شهير ولم يقف على
مراميه.. استغرب في نفسه "لماذا يلتوي المبدعون بالمعنى هكذا؟".. في
السهرة التي ناقشت الفيلم سمع ما لم يرَ.. اغتاظ وظن أن به عيباً..
-
أحب السينما الإجتماعية متوالية الأحداث..
-
تؤثرني الفكرة.. يمتعني التجديد الخالي من التحذلق..
-
السينما الفرنسية تتفلسف عّمال على بطّال..
-
السينما الأمريكية واضحة.. حِرَفية.. لكنها على المدى البعيد
مملة..
-
السينما الهندية مبهرة أحياناً.. ساذجة في كثير من
الأحيان..
-
السينما العربية تومض كل عدة أعوام.. مقلدة في معظم
الأحوال..
أقسم بالله أن يفهم..
جاء على كتب النقد واللغة التي ورثها عن أبيه.. كتب عتيقة.. مجلات.. وقصاصات.. وأتربة.. نفضها.. وتابع.. قرأ بنهم..
لم يفهم، لكنه واصل.. كاد يتراجع لكنه أصر أن يصل.
تلقى دعوة لحضور معرض
فني بإحدى قاعات فندق شهير.. حمل نفسه على الذهاب.. وكانت المرة الأولى التي يلبي
فيها مثل هذه الدعوات.. تجول بين اللوحات ولم يفهم.. راقب الفنان يشرح لإحدى
الزائرات مقصده من وراء لوحة غريبة.. شعر بأن الشرح لا يوازي ما يراه.. ظن أنه
دخيل على هذا العالم.. وربما - هو - لهذا لا يفهم!
رن هاتفه الخلوي.. انزوي إلى ركن وجعل يهمس قائلا ً:
-
أعرفه.. نعم أعرف هذا المقهى سأوافيك إلى هناك حالا ً..
ألقى نظرة أخيرة على
المكان فيها وداع المنهزم.. لقد تمنى أن لو استطاع أن يصبح رجل صالونات.. جذب
معطفه من فوق عالقة المعاطف، وهز رأسه وهو يجر قدميه صوب الباب الزجاجي الفخم.. ظن
الحارس عند الباب أنه يهز رأسه له فانحنى في تبجيل.. تساءل صاحبنا في نفسه وهو يرسم ابتسامة
باهتة على وجهه:
- حتى أنت.. لا تفهم!
من مجموعة (سيريالية.. بعضها من بعض) القصصية
(الإسكندرية فبراير 2007م)