تراشق

-      "إنك لتمد بسرم كريم"..

ألقى القاص بتلك الكلمات في وجه غريمه الشاعر، وكان الغضب آنذاك يطير بعقليهما.. فكل يتعصب لفنه دون الآخر.. سل الشاعر سيف شعره، وانهال بكلماته على رأس منافسه فقال، وقال:

-      يا لئيم الفعالِ.. لا لك في الأكرمينِ أبُ ولاخالِ!

هنالك لم يملك القاص شيئاً يسعفه بالرد سوى كف يده، فلوح به فى الهواء ثم صفع به الشاعر صفعا ً، فأمسك الأخير بتلابيب الأول، وجعل يكيل له الضربات والركلات.. وهلم جرا.

**********

-      بالله عليكو.. منتوش مكسوفين من نفسكم!

صاح أحد الشهود بعد أن وصل الطرفان إلى قسم الشرطة التابع له قصر الثقافة.. (أرض المعركة):

-    الأستاذ (فهيم) يا فندم قاص كبير.. إنه دِيسُ من الدِيسه..

بإنفعال رد الضابط:

-   أيه يا خويا.. أنت معاه ولاعليه؟

بحماس رد الشاهد:

-   بل معه قلباً وقالباً يافندم..

-    أومال ديس أيه وديوس؟!

إبتسم الشاهد ثم راح يشرح متفذلكا ً:

- لقد قلت دَيس وليس ديوث.. فديس من الديسه مثل عربي قديم يُضرب فى الرجل الشجاع.. أما ديوث فكلنا يعلم معناها جيداً..

مط الضابط شفتيه ثم تمتم:

-    أهو ده إللي إنتو فالحين فيه.. الفذلكه عمّال على بطّال!

نهض الضابط من مقعده ودار حول المتشاجرين، ثم وجه كلامه للشاعر سائلا ً:

-   هوه قالك أيه؟

عاد الشاعر كلاماً  كان قد قاله سابقاً، والغيظ  يقلع  جذور حلمه:

-  لقد قال لي "إنك لتمد بسرم كريم"..

رفع الضابط  حاجبيه استغرباً وردد وهو يحدق في وجه القاص:

-   سرم.. سرم.. سرم يا أديب..

تحسس القاص قفاه ثم قال منهكاً:

-    ليس المعنى كما  تظن..

متهكماً صاح الضابط  بنفس طريقة الموجودين:

-   وما هو المعنى بالضبط يا سيدي؟

-   لقد قصدت يهذا المثل العربي أن أحقر من افتخاره بشعره.. فهو ليس محل افتخار على أية حال..

صرخ الشاعر منفعلا ً:

-   إلزم  حدك أيها النكره..

-   دوّن هذا عندك  يا فندم.. فكلما ترى وتسمع أن هذا الأبله يسبني..

الضابط: وهل الأبله هذا ليس سباباً يا شنقيط؟

القاص: بتشتمني إنت كمان..

الشاعر: ما انت السبب.. دخلت الحكومه بينا..

القاص: أكيد إن الحكومه لها دخل في إللي حصل بينا..

الشاعر: ممكن..

القاص: ده أكيد.. شوفت مستوى الحكومه في التعامل  مع الجماهير..

الشاعر: طبعاً يابني.. (انحنى على أذن خصمه) مفيش أدب..

القاص: (بادله الانحناء على أذنه) لا أدب ولا علم ولا..

الشاعر: تيجي نفوت عليهم الفرصه دي..

القاص: (مد يده مصافحاً) على رأي المثل الشعبي أنا وأخويا على ابن عمي.. ونا وابن عمي على الغريب..

مد الشاعر يده للقاص ثم ارتمى في أحضانه وتبادلا قبلات الوجن.. هنالك ضحك الضابط من المشهد وسأل ساخراً:

-   إلا قولولي يا أساتذه هم ليه سمو كتابة الشعر وتأليف القصص أدب..

نظر الخصمان لبعضهما، فيما صاح الضابط فى أمين الشرطه المساعد وقال بقرف:

-    واضح كده إن باب النجار مخلع.. أعمل لهم محضر صلح يا بني.. وخلينا إحنا الأحسن!

من مجموعة (سريالية.. بعضها من بعض) القصصية

(الإسكندرية في يناير 2007م)

تعليقات